الطلاق ووضع الأرامل
كان للرجل فقط في العصور الرومية المبكرة أن يطلق زوجته ضمن شروط محددة كالخيانة أو عقم الزوجة، وفي التقليد (Tradition) الرومي سُجلت أول حالة طلاق في العام 230 ق.م حين طلّق القنصل (consul) سبوريوس روغا (Spurius Ruga) زوجته لعقمها. ومع نهاية العصر الجمهوري حق للمرأة تطليق زوجها، إن كان زواجها من نوع "المانوس الحر"، وفي العهد الإمبراطوري زادت ممارسة الطلاق ولم يوجد في الديانة الرومية ما يحول دون ذلك.
وللطلاق كان يكفي أن ينطق أحد الزوجين أمام شهود بعبارة الطلاق (tuas res tibi habeto) بمعنى (خذ أشياءك معك) أو (i foras) بمعنى (أخرج من بيتي) أو تبليغ العبارة كتابياً عن طريق أحد الأحرار. وأبناء الطليقين يدخلون ضمن"سلطة رب الأسرة " للأب لكنهم عادةٍ ما يشبّوا لدى الأم، ونظراً لأن أغلب الزيجات مُرتبة مسبقاً، كان الطلاق يُرتب أيضاً، سواء لضعف اهتمام عائلتي الزوجين بالعلاقة بين الأسرتين، أو لأسباب شخصية، إلا أن منعاً صدر لرب الأسرة بحل "الزواج السعيد" في عهد مارك أوريل (Marcus Aurelius، 121- 180 م) وابتداءً من القرن 2 م. كانت المبادرة بالطلاق تأتي بتصاعد من النساء. ارتبط الطلاق أو وفاة الزوج - وفق "المانوس الحر" - بإعادة (جزء) من "جهاز" العروس (الذي نال قسطاً من التشريعات الرومية) لها أو إلى "رب أسرتها"، وكان للرجال الزواج مباشرة بعد طلاق أو وفاة زوجاتهم، أما النساء فكانت لهن "عدّة" من عشرة شهور، ورفعتها قوانين اكتافيوس أغسطس للسنة، والسبب في "العدة" هو القطع بأبوة المولود. وكان من المتوقع أن تتزوج الأرملة (vidua) خلال سنتين خصوصاً إن كانت لا تزل في سن الإنجاب.
أسماء الإناث
كان عادياً في العصر الجمهوري أن تسمى النساء فقط بأسماء عائلاتهن (nomengentile) أو ما يسمى عشيرة (gens)، بمعنى أنهن لم يملكن أسماء شخصية، وإن تزوجت فتاة وفق "زواج المانوس" تغير اسمها وحملت اسم العائلة الجديدة التي تصبح "ابنة" لها، وعند تعدد بنات العائلة تستخدم تعابير : مايور(maior) الكبيرة، ومينور(minor) الصغيرة، وتِرتيا (tertia) الثالثة وهكذا. مع نهاية العصر الجمهوري ابتدأ منح الفتيات كوجنومينا شخصي (cognomina) (الاسم الثالث للذكور/ اللقب)، ويكون إما مؤنث كوجنومينا أبيها، مثل فيبسانيا اغريبينا (Vipsania Agrippina) بنت ماركوس فيبسانيوس أغريبا، أو ترث اسم أمها كما في لونيا لبِيدا (Iunia Lepida) بنت اميليا لبِيدا (Aemilia Lepida) وبنت ماركوس لونيوس (Marcus Iunius Silanus Torquatus) بينما كلاوديا انتونيا (Claudia Antonia) التي سميت على اسم جدتها انتونيا الصغيرة (Antonia minor) وكلاوديا اوكتافيا (Claudia Octavia) على اسم أم جدتها اوكتافيا الصغيرة (Octavia minor) كانتا بنتيّ القيصر كلاوديوس (T. Claudius C. A Germanicus) وعنه اسم العائلة، وبالطبع كان لنساء في محيط العائلة والاصدقاء أسماء شخصية، فمثلاً بنت الفارس (Titus Pomponius Atticus) سميت (Caecilia) أو (Pomponia) أو (Attica) في المصادر المختلفة، وكذلك أسماء التودد (الدلع) واردة كتسمية توليا (Tullia) بنت شيشرون بتوليولا (Tulliola). تخلى الناس في العصر الإمبراطوري عن هذا النظام الجامد في التسمية، واختاروا الاسم الأول بحرية، كما كان الحال عند معظم المجموعات التي عاشت في الإمبراطورية الرومية. أما الرقيق فحملن الأسماء الموهوبة لهن من أسيادهن، والمعتوقات يحتفظن باسم الرق الكوجنومِن (cognomen) بجانب اسم عائلة عاتقهن، كذلك حمل المواطنون الجدد الاسم الثاني (nomen gentile) "الكنية" للمعترف بمواطنتهم مضافاً لأسمائهم الشخصية
الوضع الاجتماعي
لم يكن التفريق بين الجنسين عند الروم علّة لذاته، إنما موضوعاً قانونياً بامتياز، فالزواج والعائلة اعتبرت عماد الجمهورية (res publica) في الدولة الرومية، حيث للجنسين وظيفتهما الاجتماعية، فالرجل "كرب أسرة" عليه المحافظة على استمرارية العائلة والمجتمع، والمرأة "كربة أسرة" تقف إلى جانبه وواجبها الأول إنجاب الذرية (ذكوراً). وقد نظر حقوقيون من مثل كاتو الكبير (M. P. Cato Censorius، 243 ق.م- 149 م) وشيشرون (M. T. Cicero، 106- 34 ق.م) للمرأة - وفق الفلسفة الأرسطية- على أنها أدنى من الرجل طبيعياً، وفهمها قاصر (Imbecillitas Mentis)، وشخصيتها قلقة (Levitas Animi)، وعليها البقاء جسدياً تحت زوجها (Infirmitas Sexus)، ومما تقدم استنتجت ضرورة الكفالة والزواج للمرأة. ويُفسر فرض قيود على حقوق المرأة ومجال نفوذها بمثابة حماية لها من عدم كفاءتها الخاصة. ===ربة الأسرة=== (mater familias) اكتسبت المرأة قيمتها في المجتمع الروميّ كأم، فبزواجها تصبح ماترونا (Matrona) وهي الرومية المتزوجة بمواطن روميّ، وتصبح أيضاً "أم أسرة" (mater familias) وليس بالضرورة أن يكون لها أولاد، ومن واجباتها تربية الأطفال، والإشراف على رقيق البيت، وغزل الصوف، ونسج المنسوجات وحياكة ملابس الأسرة، أما أعمال البيت من تنظيف وطبخ وغسل وتسوّق، فتترك للرقيق، وفقط في العائلات الفقيرة كان على الزوجة ممارسة هذه الأعمال المعتبرة شديدة الوضاعة. كانت الماترونا وأم الأولاد شخصية ذات مكانة في العائلة، فتدير المنزل والمزرعة، وكان لها أن تصبح مثلاً أعلى في المجتمع احتراماً لفضائلها، ومن واجباتها أيضاً المشاركة "بالعبادات" الخاصة والعامة، وقد وُجدت عبادات مختلفة مثل عبادة "الإلهة الطيبة" (Bona Dea) إلهة الخصب التي اقتصرت عبادتها على المتزوجات.
ارتبطت مرتبة المرأة بمرتبة أبيها وبعد الزواج بزوجها، فنساء رجالات مجلس الشيوخ تمتعن كرجالهن بامتيازات بيّنة، وسمح لهن وضع أشرطة أرجوانية على ثيابهن وكذلك ركوب العربات في المدن، وإن تزوجت امرأة من "علية القوم" رجلاً من "العامة" تفقد امتيازاتها، ولذلك بقيت الزيجات بين الطبقات نادرة حتى القرن الثالث الميلادي.
الفضائل الأنثوية
كون الوظيفة الاجتماعية للروميّات قُصرت على الأمومة، لذا طُلب من الزوجات لزوم بيوتهن (domiseda)، وكان عليهن تدبير بيوت أزواجهن بالتناغم مع التقاليد "الفاضلة" للمجتمع الرومي الفلاحي العتيق، من بساطة وادخار واستقامة وتقوى. وكانت "العفّة الجنسية" (pudicitia) والتي رُمز لها بغزل الصوف (lanificium) إحدى الفضائل الأنثوية المميزة، ومنه نشاهد على كثير من شواهد قبور النساء، سلة صوف وكرسي. وكانت المرأة التي تتزوج لأول مرة ولا تتزوج عند موت زوجها تعتبر "عفيفة" بامتياز (Univira). ولم يكن من العادي أن تُنادى النساء بأسمائهن في اللقاءات العامة، كما أن حفل التأبين الذي أقامه يوليوس قيصر لعمته يوليا (Iulia) ولاحقاً لزوجته كورنيليا (Cornelia) يُعتبر أمراً استثنائياً.
وكنموذج ساطع من العصور المبكرة، بُجلت لوكرِتيا (Lucretia) حوالي 500 ق.م، التي انتحرت لئلا تجلب فضيحة لأسرتها نتيجة لاغتصابها، لذلك فقد رُبيت الفتيات الروميات على "ضبط النفس" الذي اعتبر فضيلة، كأن تعيش زوجة شابة زهداً جنسياً بعد إنجابها ثلاث أولاد، وقد ألّف الكاتب بلوتارخ (Plutarch) مؤلفاً خاصاً عن فضائل النساء (Mulierum Virtutibus). وكانت نساء "الطبقة العليا" محور اهتمام الجمهور، فنساء مثل كورنيليا والدة (Gracchen) وليفيا (Livia Drusilla) واغريبينا (Agrippina) الكبيرة، واوكتافيا (Octavia) كُرّمن كقدوات لمطابقتهن المثل الأعلى، والنساء اللاتي لم يُسلّمن بالدور المرسوم لهن، اتهمن من مؤرخي تلك الأيام بالسلوك اللا أخلاقي والإسترجال.
الطفولة والتعليم
بينما قدمت في حفل التطهر (dies lustricus) أضحية التطهر للمولود الذكر في يومه التاسع ومنح اسماً، تم ذلك للمولود الأنثى في يومها الثامن، للاعتقاد بأن الأنثى أسرع نمواً، ومن غير المعروف إن كانت الأنثى الحرة تنال تعويذة (bulla) في هذا الحفل كما الذكر. في الطفولة لهت الفتيات بالدمى وألعاب أخرى، وتعلمن من أمهاتهن تدبير المنزل، ومع نهاية العصر الجمهوري هناك وثائق تفيد بالتحاق الفتيات بالمدارس الابتدائية العامة ليتعلمن القراءة والكتابة والحساب، ومن غير المعروف إن كنّ قد دخلن المدارس العُليا التي يعلم بها الجراماتيكوس (grammaticus) القواعد والآداب والتاريخ والفلسفة والجغرافيا والعدّ (Arithmetik) والهندسة الرياضية (Geometry) الرومية منها واليونانية، كذلك من غير المعروف عدد الفتيات اللاتي زُرن المدارس، وعلى كل حال نساء كثيرات كن يكتبن ويقرأن، حتى من الطبقات "الدنيا"، مثل زوجة القصاب التي أجرت الحسابات كما نجده على أحد النقوش، وأيضاً النص على شاهدة قبر الطفلة ماجنيلا (Magnilla) الذي يصف تفوقها في الدراسة وهي في عمر السابعة.
عادةٍ ما تعلمت النساء من "الطبقات الدنيا" مهن مارسنها، أو مارسن العمل اليدوي مع أزواجهن، وكن يتاجرن بالمواد الغذائية والملابس ومواد التجميل ويعملن أحياناً "بالأكشاك"، كما أن كثيرات عملن في الصناعات النسيجية، ودربت الرقيق عادةٍ على أعمال بعينها، كان باستطاعتهن كسب المال بها بعد عتقهن، ومع أن الموسيقيات والممثلات نُظر لهن نظرة سوء وكن تحت شبهة المجون، اعتبر التدريب الفني للفتاة شيئاً مناسباً، وقد ذكر بليني الكبير (G. Plinius S. Maior) في كتاب (التاريخ الطبيعي) العديد من الرسامات الشهيرات، كما مُدحت نساء"الطبقات العليا" اللاتي عزفن القيثارة.
هناك صمت في المصادر فيما يخص تعليم بنات "الطبقات العليا" في حين أن إخوتهم (الذكور) اعدّو بتعليمهم فن البلاغة الذي يفيد في السلك الوظيفي، وكانت غاية النساء الأهم زواجاً نافعاً للأسرة، وكونهن يتزوجن باكراً فإن تعلمهن بالمدارس العامة أو الخاصة ينتهي أبكر من الفتيان، إلا في حال دعم زوجها متابعتها التعلم. وقد أرتئ الفيلسوف الرواقي موسونيوس (G. Musonius، 30- 102 م) وجوب تعليم الفتيان والفتيات دروس الفلسفة، لأنها تُنمي الفضيلة.
قليلات من النساء المتعلمات معروفات باهتمامهن بالفلسفة والأدب، من مثل كورنِليا مِتِلا (Cornelia Metella) في القرن الأول ق.م، والخطيبة هورتِنسيا (Hortensia) بنت الخطيب المشهور هورتِنسيوس (Q. Hortensius H، 114- 50 ق.م) أو الخطيبة ماِسيا سِنتيا (Maesia Sentia) معروفة الاسم، وأيضاً توليا (Tullia) التي اعتبرها والدها شيشرون كمحاورة علّامة رفيعة الشأن لديه، وعدا عن هذه الحالة نادراً ما وردت صفة علّامة (docta) للنساء، وتعبير "الفتاة العلامة" (puella docta) الوارد في غنائيات الحب لأوفيد (Ovid) يفهم من باب اللمز حيث يمكن المقارنة مع سِمبرونيا (Sempronia) المرأة التي تنتمي "للنخبة"، فقد ربط المؤرخ سالوستيوس(Sallustius) تحولها اللاأخلاقي بتعليمها اليوناني. ويبدو أن الدراية بالفلسفة اليونانية كانت في القرن الميلادي الثاني "موضة" للنساء أيضاَ حين رمى لوقيان السميساطي النساء الثريات بأنهن يستخدمن المدرسين الخاصين لاستعراض ثقافتهن المزعومة. وفقط سولبيكيا (Sulpicia) الكبيرة في نهاية القرن الأول قبل الميلاد وسولبيكيا الصغيرة في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي معروفتين بالاسم كشاعرتين روميتين. لم توجد طقوس بلوغ للفتيات أسوة بالفتيان، حيث يرتدي الشاب التوغا (toga) اللباس الأبيض للراشدين الروم، وعوضاً عن ذلك شملت طقوس العرس تضحية الفتيات بالدمى للربة فينوس.
الزواج
زوجت الفتيات الروميات - خاصةً من "الطبقة العليا"- بسن مبكرة جداً، فالمصادر من روما ومن مصر الرومية تذكر نسبة عالية من زيجات في سن المراهقة، وأحيانا تحت سن الزواج القانوني، ويُستكمل الزواج حتى لو كانت الفتاة غير بالغة، وانتشرت عادة تزويج الفتيات الصغيرات في كل أنحاء الإمبراطورية الرومية، وغالباً في الزيجة الأولى للزوجين كان العريس أكبر بعشر سنوات، وإن كان الزوج أرملاً أو مطلقاً زاد فارق السن على الأرجح. وكان للأرملة الراشدة عند الزواج الثاني أو الثالث ما تقوله في اختيار شريكها وتقارب عمر الزوجين في هذه الحالة، حتى أن بعضهن اخترن رجلاً أصغر سناً، كما حال فابيا (Fabia) التي سخر منها شيشرون، بأنها طوال عشرين سنة بقي عمرها ثلاثين عاماً ،حين كانت في منتصف العشرينات متزوجة بدولابِلا (Dolabella) وتزوجت لاحقاً.
واتخذت الرومية كزوجة وضع ماترونا (Matrona) غير المنقوص، ولأول مرة كان بإمكانها المشاركة في الحياة الاجتماعية وتحمل مسؤولية. كان لقاء الزوجين سحابة النهار قليلاً، فالزوج يذهب لقضاء أشغاله، بينما تهتم الزوجة بالأسرة والبيت، مما يمكن أن يعني لها القيام بإدارة جميع ممتلكات الأسرة حتى وإن كان أحد الزوجين – وفق المانوس الحر- مستقل المالية، ولم يكن الزوج ملزماً بالإنفاق على الزوجة. وقد يحدث أن تقرض الزوجة الزوج من ممتلكاتها حين تختل ميزانية البيت وتطالب بها لاحقاً.
أعتبر الإخلاص الزوجي حالة مثالية، لكن – على الأقل حسب الكتاب سوِتونيوس (G. Suetonius، 70- 140 م) – النساء من "الطبقات العليا" اللاتي حُلّ زواجهن لأسباب سياسية واقتصادية، أقمن علاقات خارج إطار الزوجية، والتي نالت السمعة الأسوأ بهذا المنحى كانت مِسالينا (Messalina) زوجة القيصر كلاوديوس (T. Claudius C. A. G.) ومع ذلك تذكر كثير من شواهد القبور الودّ بين الزوجين. ويذكر فالِريوس ماكسيموس(Valerius Maximus) الربة فيريبلاكيا (Viriplacia) التي يتضرعون لها لحل الخلافات الزوجية.
الأمومة
تُعلي الأمومة من شأن المرأة، وخصوصاً إن راعى أبنائها ذلك، كما كانت شخصية اعتبارية في لأسرة. وفي الإرث وكون الأم لا تعتبر قريبة مباشرة لأبنائها فهي ليست (Agnat) (من السلالة الذكر الأب) وفق وزواج المانوس الحر، فلا تسري قوانين الإرث بينها وبين أبنائها مباشرة، وإن اعتبرت وأهلها قريبة دموياً (cognati). ومنه فحقوق الأمهات لم تكن مثبتة بشكل مؤسساتي، وإنما وفقاً للعادات فقط. إن أكثر الأمهات اللاتي وصلتنا إخبارهن بأنهن مارسن تأثيراً كبيراً على أبنائهن كن أرامل، وأبنائهن قُصّر. وقد وجدن العديد من الأمهات - في حال سبق ونجون من مخاطر الولادة - نفسهن أرامل، بسبب اشتراط فارق السن الكبير بينهن وأزواجهن.
وقد استطاعت الروميات من استخدام علاقتهن في تحسين وظائف أولادهن وتزويج بناتهن زيجات لائقة، كونهن على عكس النساء في المجتمعات يونانية الثقافة، لم يُحجبن في غرف خاصة للنساء "حرملك". إلا أن الأمهات لا سلطة (potestas) لهن على أبنائهن ولا يستطعن فرض طاعتهن. اعتبر الإرضاع فضيلة، ورغم ذلك فقد جلبت الكثير من الأمهات الروميات – اللاتي استطعن مادياً – مرضعات لأطفالهن. ولم يكن غريباً أن يوضع "الطفل الصغير" (infantia = قبل مرحلة الكلام) في أكواخ مربين رقيق أو معتوقين. وقد انتقد كتاب ذلك العصر هذه الظاهرة، كما كتب تاكيتوس (Tacitus، 58- 120 م) في مؤلفه جرمانيا (Germania) بأن النساء الجرمانيات يرضعن ويرعين أبنائهن بأنفسهن. ورغم هذا ورغم النسبة العالية لوفيات الأطفال تثبت شواهد القبور وبعض الرسائل رابطة عاطفية بالأطفال الصغار، وعادة ما بقيت المرضعات شخصيات هامة، لمن سبق وارضعهوم. واعتبر دور الأم في الحنان أرفع شأناً من الإشراف على رعاية الأطفال والتربية الجيدة في حداثتهم، وبهذا لا يختلف دورها كثيراً عن دور الأب، رغم الإعلاء من سلطة الأب.
المشاركة في الحياة العامة
بعكس النساء في المجتمعات يونانية الثقافة، لم يطلب من الروميات قصر حياتهن في غرف خاصة للنساء (حرملك)، بل شاركن بالحياة العامة، مع أن الكثيرات والكثيرين من الروم كانوا محدودي الأهلية القانونية، فقد مارسن مهن، وقد قُدرت الطبيبات والقابلات، وعُرفت بعض التاجرات وصاحبات الورش والفنادق في المدينة الميناء اوستيا (Ostia Antica). وأيضاً كممثلات وموسيقيات كما هِريا ثيسبه (Heria Thisbe) التي نقش على شاهد قبرها فوزها بالعديد من المسابقات. ولم يسمح للنساء المشاركة في الحياة السياسية، وإن كان لهن الإصغاء للخُطب في منتدى روما(Forum Romanum) أو لمرافعات المحاكم، أما مقر المجلس التشريعي (Comitium) والبلدية (Curia) فكانا محظوران عليهن.
اوقات الفراغ
جلست النساء في المسارح بجانب الرجال قديماً، وبعد تشريعات اكتافيوس أغسطس توجب عليهن الجلوس في الصف العلوي، حيث جلس الرقيق والأجانب أيضاً، وفقط كاهنات-عذراوات فِستا (Vesta) ونساء بيت القيصر لهن الحق بالجلوس في الصفوف الأمامية، ويُستنتج من ما بقي من أشعار تهكمية أن بعض النساء والفتيات شكلن مجموعات "عبادة المشاهير أو النجوم" حول المجالدين (gladiator) و"المكاسرين" كما مجموعات اليوم من عابدي نجوم الموسيقى والرياضة. وكان للحمامات (أو المسابح) الساخنة (thermae) والعادية، إما توقيت مختلف أو أماكن مفصولة للنساء، وأيضا ليس كعادات المجتمعات ذات الثقافة اليونانية حيث لا تظهر المرأة لضيوف زوجها، ظهرت المرأة الرومية كمضيافة في الولائم، وفي صالات الطعام (Triclinia) لم تضطجع النساء على الأرائك، إنما جلسن على الكراسي إلى الطاولة، وقد انتظر منهن عدم المشاركة بأحاديث الرجال، وحين ينتقل الرجال بعد الطعام للشرب، تغادر النساء المحتشمات، أما في الأعياد العامة فقد احتفل النساء والرجال كل على حدة في الغالب.
الغانيات والمحظيات
كان للدعارة قطاع منظم بإحكام، ففي نهاية العصر الإمبراطوري كان في روما وحدها حوالي 45 بيت دعارة، وإن كان معظمها قد صنف كصالون حلاقة أو حمام، وكانت غالبية الغانيات من الرقيق الأجنبيات اللاتي توجر بهن في أسواق خاصة، وكانت كل أنواع الغانيات (lupae, scorta, meretrices) مسجلات بقرار من الشرطة عند جهاز أمني (aediles) الذي راقب بيوت الدعارة. كما وجدت عاهرات "مستقلات" بحثن عن زبائن في الأحياء المشبوهة. وكن تعرفن عن بعد من ثيابهن البراقة وعطورهن ومغالاتهن بالتبرج، وكن مضطهدات قانونياً، والرقيق من النساء لم يكن لهن أية حقوق. وبالمناسبة ففي قصة تأسيس روما يرد أن رومولوس ورموس ربتهما ذئبة، ومن الممكن أن يكون هنا تلاعب بالألفاظ حيث كلمة (lupae) تعني غانية وذئبة في آن.
كما عمدت بعض نساء "الطبقة العليا" للاستفادة من إمكانية تسجيل أنفسهن كعاهرات للخلاص من الادعاء عليهن بالخيانة الزوجية، لكن ذلك مُنع مع نهاية القرن الأول الميلادي. أما المحظيات وهن عاهرات استخدمهن رجل واحد على المدى الطويل قد يصل لنصف حياتهن،، فقد توجب عليهن تلبية احتياجات أخرى، فالفهم والعقل ضروري تماماً كما المظهر الأنيق المرتب الجذاب، كون المحظية تمثل مرافقة لعشيقها في مناسبات مختلفة، وكثير من الرجال المقتدرين اسكنوا محظياتهم بيوتاً خاصة، مع رقيق لخدمتهن ومراقبتهن أيضاً، ولم يكن نادراً أن يغرق الشباب في الديون لأجل فتاة، وليس لأجل اعتلاء الهرم السياسي، ولأن القليل من الزيجات تدوم مدى الحياة، والتعفف عن الجنس اعتبر فضيلة للمرأة وكان عملياً منقذاً من وفاة الأمهات عالية النسبة. فقد اختيرت المحظيات من الزوجات انفسهن، كما فعلت ليفيا (Livia) زوجة اكتافيوس أغسطس عندما اختارت له محظيته.
النساء والسياسة
كان تأثير النساء بالسياسة غير مباشر عبر ذكور العائلة، لانعدام حقوقهن بالمشاركة في الحياة السياسية، وكان لأصولهن العائلية تأثيرعلى السلك الوظيفي لأزواجهن، لأنه بالزوج تنشأ علاقات وتعقد أحلاف بين العائلات تكون المرأة فيها كعُهدة أكثر من كونها شخصية مستقلة. كزوجة (matrona) لرب أسرة رومي (Patron) كان لها التواجد عندما يحيي رب الأسرة أتباعه صباحاً وعند لقائه ضيوفه، ولها المشاركة في الحديث والتأثير على الآخرين، ولها في غيابه النيابة عنه والتفاوض باسمه، لكن يبقى هذا في الأمور الخاصة غير الرسمية. لهذا تبقى معارفنا عن فاعلية النساء في السياسة من خلال القليل من الشخصيات النسائية فقط. مثل بوركيا (Porcia) زوجة السناتور المتواطئ ماركوس بروتوس (Marcus I. Brutus C.) وامه سِرفيليا (Servilia) اللتان حسب الإخباريات اشتركتا في مداولات المتآمرين. هناك استثناء يطالعنا في العصر الجمهوري مثلته فولفيا (Fulvia، 80- 40 ق.م) التي ساندت بنشاط زوجها الأول بوبليوس (Publius C. Pulcher) ومن ثم نشطت كزوجة لماركس انطونيوس (Marcus Antonius) أحد الثلاثي في عملية إباحة الدماء (proscriptio) لعام 34 ق.م. وحتى أنها حاربت في الحرب البروسينية (bellum Perusinum)، ولهذا انتقص خصومها من أنوثتها. وقليلات هن النساء "البسيطات" اللاتي وصلنا عن مشاركتهن بالسياسة، وغالباً عبر تدخلهن في الانتخابات، كما ظهر في "الشعارات الانتخابية" على الجدران في بومبي (Pompeii)، حيث شاركت نساء أيضاً في "مؤامرة بيزو" (G. C. Piso) لقتل نيرون (Nero C. C. A. G.) من العام (65 م)، كما فعلت انطونيا (Claudia Antonia) بنت القيصر كلاوديوس (Claudius).
ويجدر الإشارة إلى ما أورده تاكيتوس (Tacitus، 58- 120 م)، من خبر إلقاء القبض على المُحررة إبيكاريس (Epicharis) عندما حاولت تحريض الأسطول في ميسِنوم (Misenum) على نيرون، والتي لم تعترف عن "المتآمرين" تحت التعذيب، وإنما شنقت نفسها بمئزر صدرها (strophium) ما أشاد به تاكيتوس كبسالة مقابل جبن الوجهاء من الرجال
مقاومة الضرائب الخاصة
كانت المشاركة المباشرة بالأحداث السياسة نادرة، وهناك حالتان فقط معروفتان من العصر الجمهوري، حيث تحالفت بعض النسوة لحماية أنفسهن من ضريبة خاصة فُرضت على الغنيات الحرات (matrona)، حيث يذكر ليفيوس (Titus Livius، 59 ق.م- 17 م) مظاهرة للنساء في العام 195 ق.م لرفع قوانين (Lex Oppia) التي سُنت في العام 215 ق.م وتنصّ على منع ارتداء الحُلي والمواد الثمينة لصالح تمويل الحرب على قرطاجة، وعند انتهاء الحرب وعودة الرخاء، رغبت الثريات من النساء أن لا يُقيدن بقوانين الحرب. مما أغضب المُخمن (censura) والكاتب كاتو الكبير(Marcus Porcius Cato، 234- 149 ق.م) حيث اعتبره تدخل نسائي في السياسة، بينما دافع عنهن السياسي لوسيوس فالِريوس (Lucius Valerius Flaccus، توفي 180 ق.م)، ولا حقاً تم التراجع عن هذا القانون(55) وفي العام 42 ق.م اختيرت هورتِنسيا (Hortensia) وهي بنت (Quintus Hortensius Hortalus، 114-50 ق.م) لتتحدث أمام الثلاثي (triumvirate) ضد زيادة الضريبة على عقارات النساء (matrona) لتمويل الحرب الأهلية، وقد نجحن في هذه الحالة أيضاً.
نساء بيت القيصر
اكتسبت القيصرات وأمهات القيصر في العصر الإمبراطوري نفوذاً واسعاً، اكتافيوس أغسطس نفسه تشاور مع زوجته ليفيا، وإن لقب اغسطا "العليّة" (Augusta) والتي حملته ليفيا لأول مرة – منحها إياه اكتافيوس أغسطس في وصيته- اظهر مكانة نساء العائلة القيصرية، لكن "السيدة الأولى" كان لها واجبات تشريفية وليس قوة سياسية مباشرة ورسمية. وقد نظر تاكيتوس وكُتّاب آخرين لنفوذ نساء البيت الإمبراطوري على حساب مجلس الشيوخ كخلل في النظام لعصر البرينسيبات (Principate، 27 ق.م- 284 م) الذي زاد فيه أكثر من العهد الجمهوري دور النساء كأدوات ضمان للسلطة بتزويجهن من المرشحين المحتملين للخلافة في السلطة، كما كان عليه حال يوليا (Julia Augusti filia، 39 ق.م- 14 م) بنت اكتافيوس أغسطس. لقد رافقت اغريبينا الكبيرة (Agrippina maior ،14 ق.م- 33 م) زوجها جِرمانيكوس(Germanicus J. C.) في كل رحلاته، ونابت عنه في حالات طارئة وقمعت تمرداً، ما أثار غيرة طيبِريوس(Tiberius) حسب تاكيتوس. وأيضاً بعض الجنود مثل اولوس (Aulus Caecina Severus) الذي طالب عام (21 م) بإعادة تطبيق قانون منع موظفي الولايات من اصطحاب زوجاتهم معهم. مع انه كان في هذا الوقت من التقاليد أن يصطحب الوالي وحاشيته نساءهم معهم، حتى لا ينفصلوا عنهن لسنوات، في حصن فيندولاند (Vindolanda) على سور هادريان (Vallum Aelium) في بريطانيا بقيت بعض ألواح كتابية في بعضها دعوات لأعياد ميلاد من زوجات القادة لزوجات القادة في الحصون المجاورة. بعد موت زوجها، كافحت اغريبينا لأجل حق ابنها بالعرش الإمبراطوري، وأضحت بذلك منافسة لأخت زوجها ليفيا (Livia Julia)، ولوجود أتباع كثر للمتنافستين ،هدد النزاع بينهم استقرار البيت الإمبراطوري وعرض الدولة كاملة للخطر. وقد انصب طموح نساء أخرىات من البيت الإمبراطوري بتنصيب أبنائهن على العرش الإمبراطوري، فقد حاكت اغريبينا الصغيرة (Julia Agrippin) لهذه الغاية دسيسة ناجحة، ولم يثنها حتى القتل، ليخلف نيرون كلاوديوس (Claudius) بدل بريتانيكوس (Britannicus)، أما خطتها بأن تحكم بنفسها فقد فشلت لعدم وجود حلفاء لها في ذلك. مع بدايات القرن الثالث الميلادي انتزعت يوليا ماِسا (Julia Maesa) - أخت يوليا دومنا (Julia Domna) زوجة سِفِروس (L. S. Severus) – العرش الإمبراطوري لحفيدها القاصر ماركوس (Marcus Aurelius Antoninus) المُلقب "إل جبل" (elaga'balus) مع أبنتها وأمه يوليا سواِمياس (Julia Soaemias) بوجودهما شخصياً بالمعركة، وإن كانت - ماِسا – حكمت عوضاً عنه كما يرد في مؤلف تاريخ القيصر (Historia Augusta) فإن ذلك موضع شك حالياً، ولما كان من المتوقع إخفاق "إل جبل" بسبب سلوكه "غريب الأطوار"، نَصبت ماِسا الِكسندر سِفِروس(Alexander Severus، 208- 235 م) ذو الثلاثة عشر ربيعاً وابن ابنتها يوليا ماميا (Julia Mamaea، 180- 235 م) كخليفة. وقد حكمت ماميا مع ابنها الِكسندر أحد عشرة سنة ورافقته في حملاته العسكرية على الساسانين، إلا أن العسكر قتلوهما في العام (235 م) لقلّة ما دفعا من أعطيات (Donativa) للجند، ويجعل المؤرخ هِروديان (Herodian، 178- 250 م) من والدة القيصر سبباً لإخفاقه.